مطلب الفهم (تأطير اشكالي للمحور الثالث العلاقة مع الغير )
مقدمة حول العلاقة مع الغير
إذا كان الإنسان هو صلب الإهتمام الفلسفي منذ أن رفع سقراط شعار « أيها الإنسان إعرف نفسك بنفسك» فإنه سيكون من الطبيعي أن تخصص الفلسفة حيزا هاما من انشغالاتها لعلاقة الإنسان بالإنسان أو علاقة الأنا بالغير، تلك العلاقة المركبة التي تتجاوز الجانبين الإبستيمي والأنطلوجي إلى جوانب عاطفية ووجدانية وأخلاقية.. حسب طبيعة الأغيار، وحسب تصنيف الأنا للغير إما كغير قريب أوكغير بعيد ومن ثمة تتوزع العلاقات القائمة على خلفية هذا التصنيف الى علاقات إيجابية وأخرى سلبية.
- ما هي طبيعة العلاقة مع الغير ؟ هل تقوم على الصداقة والمحبة، أم تقوم على الصراع والمواجهة ؟ هل الصداقة هي العلاقة الوحيدة الممكنة مع الغير ؟
- هل العلاقة مع الغير علاقة صداقة أم صراع ؟
تصورات ومواقف الفلاسفة في المحور الثالث للعلاقة مع الغير
موقف كانط (1724 - 1804)
الصداقة كأساس للعلاقة الإنسانية.
في نفس الإتجاه الإيجابي يدافع الفيلسوف الألماني كانط عن الصداقة كأساس للعلاقة الإنسانية، حيث يدافع على أن العلاقة بين الأنا والغير يجب أن تتأسس على مبادئ أخلاقية وعقلية. وهنا تشكل الصداقة تلك العلاقة المثالية التي تقوم على مبدأي الحب والاحترام، ویری كانط أن الصداقة مبدأ كوني بحيث ينبغي أن نحب جميع الناس ونحترمهم، فكل من الأنا والغير ينبغي أن يتصرف وفق ما يقتضيه الواجب الأخلاقي الذي يفرض احترام الذات وإحترام الغير.
موقف أوغست كونت (1798 - 1857)
الغيرية أساس العلاقة مع الغير.
إن ما يناسب المرحلة الوضعية التي يعيشها المجتمع فكريا، هي الغيرية في الأخلاق، وتعني الحياة من أجل الغير، في مقابل الحياة بفضل الغير، ذلك أن ما يتمتع به الفرد يأتيه من الإنسانية، سواء بصفة مباشرة أو غير مباشرة. إضافة إلى أن الغيرية وحدها يمكن أن تؤدي إلى تطوير المجتمع وتحقيق قيم التضامن والتعاون.
موقف ألكسندر كوجيف (1902 - 1968)
الصراع أساس العلاقة مع الغير.
يرى كوجيف أن العلاقة بين الأنا والغير علاقة صراع دائم يتأسس على مبدأ الهيمنة والرغبة في نزع الاعتراف، فكل من الأنا والغير يسعى لنزع الاعتراف به كذات حرة وواعية، إلا أن هذا الاعتراف لا يمنح بشكل سلمي، وإنما ينتزع عبر صراع يخاطر فيه الطرفان معا بحياتهما حتى الموت، ولكن الموت الفعلي لا يحقق هذا الاعتراف، وإنما يحققه استسلام أحد الطرفين بتفضيله لحياة التبعية على الموت والفناء.
موقف جوليا كريستيفا (1941)
الغير يسكننا على نحو غريب.
بينت كريستيفا أن الموقف الذي يجعل الغير هدفا للحقد والبغض، يرجع إلى عدم الاعتراف بأن الغير يسكننا على نحو غير متوقع، ذلك أن الهوية الفردية والجماعية تنطوي على مغايرة يتم التغاضي عنها، لأهداف اجتماعية أو سياسية... وهذا يفرض إعادة النظر في الموقف من الغير، لأنه وحده يجنبنا الإقصاء الذي ليس له أي مبرر معقول، فالذات تنطوي على الغير، والجماعة تنطوي على المغاير المختلف، وبالتالي إحلال التسامح والانفتاح يجب أن يؤسس علاقتنا مع الغير بدلا من الحقد و الكراهية.
أمثلة من الواقع حول العلاقة مع الغير
مثال موقف كانط: الصداقة كأساس للعلاقة الإنسانية
مثال واقعي: يمكن أن نأخذ مثال العلاقة بين الزوجين، حيث تقوم هذه العلاقة على مبدأي الحب والاحترام، فالزوجان يحبّان بعضهما البعض ويحترمان بعضهما البعض، وهذا ما يساهم في بناء علاقة قوية ومتينة بينهما.
مثال آخر: قد يظهر هذا الموقف في حالة تعاون المجتمع لدعم القضايا الإنسانية مثل الجمعيات الخيرية والمؤسسات الاجتماعية التي تعتمد على قيم الحب والاحترام في التعامل مع الآخرين. على سبيل المثال، حملات الإغاثة الدولية أو مشاريع تطوير المجتمعات الفقيرة.
مثال موقف أوغست كونت: الغيرية أساس العلاقة مع الغير
مثال واقعي: يمكن أن يظهر هذا الموقف في المجتمعات التي تشجع على التعاون والتضامن، حيث يتم تعزيز قيم الحياة من أجل الغير. مثال واقعي قد يكون في حملات جمع التبرعات لمساعدة الفقراء أو المشاركة في مشاريع تنمية المجتمع.
مثال آخر: يمكن أن نأخذ مثال العلاقة بين الدول، حيث ينبغي أن تتعاون الدول مع بعضها البعض وتساعد بعضها البعض، وهذا ما يساهم في بناء عالم سلمي وعادل.
مثال موقف ألكسندر كوجيف: الصراع أساس العلاقة مع الغير
مثال واقعي: يمكن أن نأخذ مثال العلاقة بين الدول، حيث تسعى الدول إلى الهيمنة على غيرها من الدول، وهذا ما يؤدي إلى الصراع بين الدول.
مثال آخر: يمكن أن يظهر هذا الموقف في حالات النزاعات والصراعات الاجتماعية أو السياسية حيث يكون هناك تنافس شديد بين الأفراد أو الجماعات من أجل الهيمنة. مثلاً، النضالات التاريخية من أجل الحقوق المدنية أو الاستقلال الوطني.
مثال موقف جوليا كريستيفا: الغير يسكننا على نحو غريب
مثال واقعي: يمكن أن نأخذ مثال العلاقة بين الإنسان وعالم الطبيعة، حيث يؤثر الإنسان على الطبيعة وتؤثر الطبيعة على الإنسان، وهذا ما يساهم في بناء علاقة متداخلة بين الإنسان وعالم الطبيعة.
مثال آخر: يمكن أن يتجلى هذا الموقف في سياقات يتم فيها التسامح والتفاهم تجاه الاختلافات الثقافية والدينية. مثلا، الحوارات الثقافية والمبادرات التي تعزز التفاهم بين مجتمعات متنوعة، وتقدير الغير كجزء من التنوع الثقافي.
يمكنك زيارة المقالة التالية: نموذج تحليل نص فلسفي حول مفهوم الغير : وجود الغير ومعرفته والعلاقة معه
مصطلحات ومفاهيم مفهوم الغير العلاقة مع الغير
الأنا: هو الذات المفكرة العارفة لنفسها في مقابل الموضوعات التي تتميز عنها وعن فعل تفكيرها، وخاصة حين تتخذ شكل أشياء خارجية مادية محسوسة.
الغير: هو الذات الأخرى المغايرة للذات والمختلفة عنها، إنه الأنا الآخر منظورا إليه ليس بوصفه موضوعا، وإنما بوصفه ذاتا بشرية تملك وعيا وإرادة، إنه بعبارة أخرى الأنا الذي ليس أنا سواء كان قريبا أو بعيدا.
الحرية: هي استقلال الذات فكرا وتصرفا وعدم خضوعها لأية إكراهات خارجية، أو بالأحرى قدرة الشخص على الفعل أو الامتناع عنه بعيدا عن كل إكراه كيفما كان نوعه.
معرفة : العملية التي بواسطتها يدرك العقل موضوعا ما، وهـي بذلك انتقال من الذات المدركة إلى موضوع بهدف فهمه وتفسيره.
يمكنك زيارة المقالة التالية: مصطلحات ومفاهيم مجزوءة الوضع البشري - الفلسفة الثانية باك
خلاصة للمحور العلاقة مع الغير
إن الواقع يثبت حضور كل أشكال العلاقات بين الأنا والغير، الغيرية واللامبالاة وكذا الصراع، بل قد تحضر في العلاقة الواحدة، مما يؤكد تعقد العلاقات البينية في الوجود الإنساني، وعدم محدوديتها في الوجود أو المعرفة، إلى العلاقات الفعلية، والفلسفة باعتبارها تفكيرا عقلانيا تنتصر في علاقة الأنا بالغير لقيم التسامح، والاحترام من أجل وجود تتحقق فيه الكرامة الإنسانية.
مقالات ذات صلة
المحور الأول: وجود الغير مجزوءة الوضع البشري مفهوم الغير الثانية باك
المحور الثاني: معرفة الغير مجزوءة الوضع البشري مفهوم الغير الثانية باك
منهجية تحليل ومناقشة نص فلسفي جاهزة وفقا للاطار المرجعي
المحور الاول: التجربة والتجريب مجزوءة المعرفة مفهوم النظرية والتجربة الثانية باك
0 تعليقات