نموذج تطبيقي حول معرفة الغير
هل معرفة الغير ممكنة ؟
تصحيح سؤال فلسفي هل معرفة الغير ممكنة ؟
أولا: الفهم (4 نقاط)
حينما نتحدث عن معرفة الغير، فإن الأمر لا يتعلق بمعرفته كجسم أو كعضوية بيولوجية بل معرفته كروح وكذات تحمل أفكارا ومشاعرا. فانطلاقا من قراءتي الأولية للسؤال هل معرفة الغير ممكنة ؟ ، يمكن الجزم أنه يندرج ضمن مجزوءة الوضع البشري، وتحديدا ضمن الإطار الإشكالي الذي يطرحه مفهوم الغير، ومن الواضح أن السؤال يطرح قضية أساسية هي : معرفة الغير، هذا ما يسمح بطرح التساؤلات التالية: هل معرفة الغير ممكنة أم مستحيلة ؟ وكيف تتحقق هذه المعرفة ؟ ثم ماهي حدودها وعوائقها ؟
ثانيا: التحليل (5 نقط)
للإجابة عن التساؤلات المطروحة، أجد أنه يجدر بنا تحديد بنية التساؤلات المطروحة، وذلك من خلال تحديد دلالة المفاهيم المؤثثة للإشكال المطروح؛ فالغير يعرفه سارتر بقولة: الغير هو الاخر أي الأنا الذي ليس أنا، انه يشبهني في كونه ذاتا واعية، وفي نفس الوقت يختلف عني، أما المعرفة؛ فتدل على حاصل علاقة ذات عارفة بموضوع للمعرفة وفق خطوات منهجية محددة او اقل هي عملية عقلية يسعى من خلالها الانسان الى بناء نوع من الوعي بذاته وبمحيطه. بهذا يدافع السؤال عن الأطروحة التالية معرفة الغير ممكنة، ولكنها ليست سهلة أو كاملة؛ والتي تجد سندا لها في أن الإنسان يشترك مع غيره من البشر في العديد من الخصائص والصفات، مثل: العقل والمشاعر والرغبات. وهذا يعني أن هناك أرضية مشتركة بين الذات والغير، يمكن أن تُبنى عليها عملية التواصل والفهم.
ثالثا: المناقشة (4 نقط)
تبرز قيمة أطروحة السؤال من خلال إمكانية معرفة الغير بقيمة كبيرة، حيث تؤكد هذه الأطروحة على أهمية التواصل والفهم بين الناس. كما أنها تفتح آفاقا جديدة للبحث الفلسفي في مجال العلاقات الإنسانية. إلا أن تجربة كل شخص فريدة ومختلفة عن تجربة الآخرين. وهذا يعني أن هناك بعض جوانب من شخصية الغير قد لا تتمكن الذات من فهمها، أو إدراكها بشكل كامل.
ونجد لهذه الأطروحة مواقف تدعمها كماكس شیلر حيث يرى شيلر أن معرفة الغير ممكنة، وهذه المعرفة تتم باعتبار الغير كلا، بحيث لا يتم الفصل بين تعبيره الخارجي وإحساسه الداخلي. إن الأنا قادرة أيضا على إدراك نوايا الغير التي يخفيها، أو تلك التي لم يستطع التعبير عنها، وذلك انطلاقا من التجربة المشتركة. كما يميز شيلر واقعة التعبير الإنساني التي لا تقبل التقسيم عن الظواهر الطبيعية التي يمكن تفكيكها وإعادة تجميعها مرة أخرى.. كمثال فمن خلال التواصل المستمر والتفاعل الدائم، يمكن للأفراد أن يتعرفوا على بعضهم البعض بشكل أفضل، ويفهموا أفكارهم ومشاعرهم.
وهناك مواقف معارضة مثل غاستون بيرجي حيث يعتبر ان معرفة الغير مستحيلة، لأن التجربة الذاتية الفردية هي التي تشكل العالم الحقيقي، هذه الأخيرة يتعذر نقلها والتعبير عنها، فتجربة الفرح أو الحزن مثلا، تجربة متفردة تقاوم كل تواصل، إن الأنا كما الغير يعيشان في عزلة تامة. لهذا يؤكد بيرجي أن الحميمية تشكل جدارا سميكا بين الأنا، والغير يقاوم كل تواصل. كمثال فقد تجعل الاختلافات الثقافية من الصعب على الأفراد فهم بعضهم البعض، لأن لديهم تجارب وقيم مختلفة.
رابعا: التركيب (3 نقط)
كخلاصة عامة نجد أن معرفة الغير هي عملية معقدة وصعبة، ولكنها ليست مستحيلة. ويمكن للذات أن تحقق معرفة أفضل بالغير من خلال التواصل معه والتعرف على تجاربه ومشاعره. وبهذا تبرز أهمية الإشكال المعالج في كونها تطرح قضية جوهرية في العلاقات الإنسانية، وهي إمكانية فهم الآخر.
وفي نظري أعتبر أن إمكانية معرفة الغير هي قضية نسبية، تعتمد على مجموعة من العوامل، مثل طبيعة العلاقة بين الذات والغير فكلما كانت العلاقة أكثر حميمية وتواصلا، كلما كانت معرفة الغير أسهل. ودرجة الاستعداد للتواصل والفهم بين الذات والغير: فكلما كان الطرفان مستعدين للتواصل وفهم بعضهما البعض، كلما كانت معرفة الغير أفضل. واخيرا العوامل الثقافية والاجتماعية التي تؤثر على التواصل بين الناس فكلما كانت الثقافات والقيم متشابهة، كلما كانت معرفة الغير أسهل.
0 تعليقات