تحليل سؤال فلسفي الرأي والحقيقة مفهوم الحقيقة
هل يرقى الرأي إلى مستوى الحقيقة؟
الامتحان الوطني 2015 مسلك الاداب
نموذج تطبيقي لسؤال فلسفي المحور الأول : الرأي والحقيقة
مطلب الفهم
إن اعتبار الحقيقة خاصية لمعارفنا وأساس لصلاحية أحكامنا لا يعني أبدا أن كل معارفنا صحيحة، إذ هناك معارف قامت على أساس البحث عن الحقيقة، وتبيان المسالك والطرق الموصلة إليها. وهناك معارف أخرى لا يوجهها هذا الفهم، والمعارف من هذا النوع الأخير هي التي تنتشر بين عامة الناس والتي يمكن أن نجمعها تحت اسم واحد هو الرأي. ولربما السؤال الماثل بين أيدينا، يندرج في هذا الموضوع، خصوصا في مفهوم الحقيقة وما يطرحه من مفارقة تبرز علاقة الرأي بالحقيقة من خلال التساؤلات الآتية: ما الحقيقة؟ ما الرأي؟ هل يرقى الرأي إلى مستوى الحقيقة؟ أم أنه عائق أمام بلوغها؟
التحليل
قد نعتبر أن الإجابة الظاهرية لمضمون السؤال تهدف إلى التأكيد على ارتباط الحقيقة بالرأي، وهذا الأمر يبدو واضحا بعد إزالة أداة الاستفهام «هل» التي تفيد الإجابة بنعم أم لا. لكن قبل تحليل طبيعة السؤال، لابد من الوقوف على شرح مفاهيمه الأساسية، هناك مفهوم الحقيقة وتدل على مطابقة الفكر لموضوعه، ثم مفهوم الرأي ويقصد به وجهة نظر شخصية. تعبر عن مشاعر أو معتقدات المتحدث قد نتفق معه وقد لا نتفق.
وبالعودة إلى الأطروحة المفترضة في السؤال ، و التي تفيد أن الرأي يرقى إلى مستوى الحقيقة، أي ان الرأي متى توفرت فيه مواصفات محددة وفي مجالات معينة، يشكل طريقا لبناء الحقيقة، فما تصرح به الجماعة وآراؤها حول موضوع ما، هو القول الحقيقي الذي على الكل الالتزام به فكريا وسلوكيا.
وكل ما يخرج عن نطاق أراء الجماعة فهو لا يرقى إلى ما هو حقيقي، وينافي الصواب، لأنه يخالف ما اجتمعت علیه آراء الكل، كما هو الأمر في الثقافات العربية الإسلامية التي يشكل الإجماع بالنسبة لها مصدرا للتمييز بين الحقيقة وما ليس حقيقة. كما تم قديما اعتبار أراء الكنيسة في العصور الوسطى معيارا للحقيقة، عندما اعتبروا أن الشمس تدور حول الأرض والأرض هي مركزية الكون. و أن كل من عارض هذه الحقيقة، مصيره عقوبة الموت مثلما وقع لغاليلو. ولا يجب أن ننفي أيضا بعض منطلقات العلم التي لم يتم البرهنة عليها مما جعلها أقرب إلى الرأي.
نخلص من خلال تحليلنا أن الرأي له دور في بناء الحقيقة، بل إن الحقيقة لا تكون سوى استمرارا للرأي. لكن هل يمكن الاتفاق مع هذا التصور أم أن الرأي عائق أمام بلوغ الحقيقة ؟
المناقشة
يمكن أن نناقش الأطروحة التي يرتكز عليها السؤال من خلال التأكيد على قيمتها وأهميتها الفكرية التي تدافع بكل قوة عن الرأي كطريق لتأسيس الحقيقة، لأنه بمثابة حقيقة مؤقتة في انتظار تأسيس حقيقة مبنية، كما ساهم الرأي، في تأكيد بعض الحقائق التاريخية وهذا ما دفع «ليبنيز» إلى القول إذا كان الاحتمال ضروري في بناء المعرفة البرهانية، فإن الرأي ضروري في بناء المعرفة التاريخية والاجتماعية، فالرأي يشكل مدخلا نحو بلوغ الحقيقة. كما يعد الرأي القائم على الاحتمال دورا انقلابيا في تاريخ الفكر البشري والدليل على ذلك مثلا الآراء العلمية التي قدمها كوبونيك، فرغم كونها مجرد احتمالات في حينها، إلا أنها شكلت فيما بعد ثورة علمية حقيقة في تاريخ العلوم.
لكن على الرغم من قيمة الأفكار السابقة، إلا أن الرأي غالبا ما يكون حقيقة سطحية وهمية لذلك ينبغي تجاوزها لأن تقدم العلم وتطوره كان عن طريق القطع مع الرأي ولعل هذا ما عبر عنه «غاستون باشلار» بالقول أن هناك قطيعة جذرية بين الرأي والحقيقة العلمية،لأن الرأي لا يمكنه أن يتضمن الحقيقة، فهو قائم على الاعتقاد والظن الشائع بين الناس، الذي يجعلهم يميلون بسرعة إلى التصديق بالمعطى المباشر دون تفكير إن الرأي لا يفكر لأنه يترجم الحاجات المباشرة إلى معارف. أما العلم فهو الضامن للحقيقة، لأنه يبنى بناء عقليا، أما الرأي يسمح لنفسه في التصديق في كل شيء لذلك ينبغي هدمه لأنه عائق أمام تقدم العلم.
التركيب
يمكن أن نستنتج مما تم تحليله ومناقشته حول المفارقة بين الرأي والحقيقة أنها أفرزت تصورات متباينة، فإذا كان البعض يعترض على الرأي كمعيار لبلوغ الحقيقة واليقين، لأنه معرفة عامية تنبني على اعتقادات شخصية ذاتية ترتبط بالمنفعة، فإن البعض الآخر اعتبر أن الرأي معيار للحقيقة، وأنه شكل منطلقا لبعض النظريات العلمية.
إن ما يمكن قوله انطلاقا من هذه الدراسة لموضوع السؤال أن الرأي لا يمكنه الإفصاح عن الحقيقة. فقد يكره طالب شخصا أو مادة ما، فإذا أخبرك صديقك بتلك المعلومة كأنها حقيقة، ونسي ذلك الصديق أن تلك المعلومة مجرد رأي فقط وتعامل معها كأنها حقيقة، عندئذ قد ينتقل هذا الكره له ويتعامل معه وفق هذا الشعور. وبالتالي لا يمكن للرأي بناء حقيقة. لكن هل إقصاء الرأي في بلوغ الحقيقة لا يجعل منه معيارا يقينيا ؟ أم أنه المعيار الذي يمنحها قيمة ؟
المصدر : المساعد في الفلسفة الثانية باكالوريا
0 تعليقات