مقالة في التاريخ المغرب: الكفاح من أجل الاستقلال واستكمال الوحدة الترابية
مقدمة
كافح المغاربة ملكا وشعبا للتخلص من الوجود الأجنبي بالبلاد عبر تأسيس حركة وطنية خلال عقد الثلاثينيات من القرن 20م. وبعد الحصول على الاستقلال سنة 1956م بدأت عملية استكمال الوحدة الترابية. فما هي ظروف نشأة الحركة الوطنية بالمغرب وما طبيعة مطالبها ؟ ثم كيف تمكنت هذه الحركة من تحقيق الاستقلال للبلاد؟ وأين تجلت مراحل استكمال المغرب لوحدته الترابية؟
أنشأ المغاربة حركة وطنية تمحورت أنشطتها بالأساس حول المجال السياسي؛ حيث تكونت بفضل تأسيس الأحزاب السياسية في العديد من المناطق. من قبيل حزب "كتلة العمل الوطني" الذي أسس سنة 1934م بالمنطقة السلطانية. وانقسم سنة 1937م إلى حزبين أولهما "الحركة الوطنية لتحقيق الإصلاحات" بزعامة علال الفاسي، وثانيهما "الحركة القومية المغربية" بزعامة محمد حسن الوزاني. أما بالمنطقة الخليفية فقد أسس حزب "الإصلاح الوطني" سنة 1933م بزعامة عبد الخالق الطريس، وحزب "الوحدة المغربية" سنة 1937م بزعامة محمد المكي الناصري وركزت هذه الأحزاب عند تأسيسها على المطالبة بالإصلاحات الاقتصادية والسياسية والإجتماعية من سلطات الحماية الفرنسية وسلطات الاحتلال الاسباني، معتمدة في ذلك على وسائل عدة كنشر الجرائد والمجلات باللغة الفرنسية والاسبانية ( مثل مجلة مغرب - جريدة عمل الشعب .....). وإنشاء المدارس الحرة ( مدرسة النجاح بالدار البيضاء - المدرسة الإسلامية الحرة بطنجة ... ). بالإضافة إلى الاحتفال بعيد العرش خلال كل سنة (منذ 1933م)، وتوظيف الفرق الموسيقية لنشر الوعي القومي والوطني في أوساط الشعب المغربي (مثل الجوق السلاوي - الجوق المغربي ...).
واختلفت مطالب الحركة الوطنية حسب المناطق، غير أنها اتفقت حول المطالبة بالإصلاحات؛ إذ تقدمت الأحزاب السياسية في المنطقة السلطانية ببرنامج إصلاحي سنة 1934م تضمن المطالبة باحترام بنود معاهدة الحماية، والغاء وسائل التعذيب، والمساواة بين المغاربة والأجانب في الضرائب، وتحسين مستوى دخل الأسر المغربية في المدن والقرى، والرفع من جودة الخدمات العمومية كالتعليم والصحة.... وأمام تجاهل سلطات الحماية لهذه المطالب أسرعت أحزاب الحركة الوطنية في تقديم مطالب مستعجلة خلال سنة 1939م من أجل الضغط والتصعيد. في حين طالبت أحزاب المنطقة الخليفية سنة 1931م بتكوين مجالس بلدية منتخبة تمثل الشعب المغربي، والاهتمام بقطاع التعليم بجميع مستوياته مع الحرص على اعتماد اللغة العربية إلى جانب اللغة الإسبانية، كما طالبت كذلك بتحسين ظروف عيش المغاربة في الوسطين القروي والحضري.
وارتبط بروز الحركة الوطنية بمجموعة من العوامل؛ كان على رأسها رغبة سلطات الحماية الفرنسية في فصل الأمازيغ عن الشريعة الإسلامية عبر إخضاعهم لقوانين نابعة من العرف القبلي، مما دفعها لإصدار "الظهير البريري في 16 ماي من عام 1930م، وإلغاء أدوار الحكومة الشرعية للبلاد من خلال تجريدها من كل نفوذها وسلطها، بالإضافة إلى تضرر المغاربة من السياسة الاستغلالية التي كانت تتبع (توظف) بكل القطاعات الاقتصادية.
وخلال الحرب العالمية الثانية تحولت مطالب الحركة الوطنية من المطالبة بالإصلاحات إلى المطالبة بالاستقلال بحيث غيرت أغلب الأحزاب السياسية من آسمانها وأضافت إليها كلمة "الإستقلال"، كما أقدمت على تقديم "وثيقة المطالبة بالإستقلال في 11 يناير سنة 1944م مستغلة المستجدات الدولية كإبداء الرئيس الأمريكي عن استعداده لدعم استقلال المغرب خلال لقاء أنفا سنة 1943م. ونجاح الحركات الاستقلالية بالمشرق العربي. زيادة على مساهمة المغرب إلى جانب الحلفاء في الحرب العالمية الثانية لتحرير التراب الفرنسي من قبضة النازية الألمانية.... غير أن فرنسا رفضت التجاوب مع هذه الوثيقة، وضيقت الخناق على شخصيات الحركة الوطنية وزعماء الأحزاب السياسية، كما تجرأت على نفي السلطان محمد الخامس إلى مدغشقر في 20 غشت 1953م، بسبب تنسيقه مع قادة الحركة الوطنية ورفضه التوقيع على الظهائر التي تضر بمصالح المغرب وسيادته، وعينت مكانه "ابن عرفة " كسلطان على البلاد فاشتعلت "ثورة الملك والشعب" حيث خرجت المظاهرات الشعبية إلى شوارع المدن، وأضرب العمال عن العمل، ونفذت عمليات فدائية ضد أعوان سلطات الحماية وخونة القضية الوطنية، كما خربت العديد من أملاك المعمرينوواجهتها فرنسا بالقمع والاعتقالات، إلا أن عزيمة الشعب أرغمت سلطات الحماية على إعادة الملك إلى عرشه سنة 1955م، ومنح الاستقلال للبلاد في السنة الموالية...... وانطلق المغرب في استكمال وحدته الترابية فبعد استرجاع المنطقة السلطانية على إثر تحقيق الاستقلال تم انتزاع شمال المملكة من اسبانية في نفس السنة (1956م) ، ثم استرجعت طنجة في سنة 1957م، وطرفاية خلال سنة 1958م، وانتزعت سيدي إفني (1969م) بفضل مجهودات جيش التحرير في الجنوب. أما مناطق الساقية الحمراء والعيون فقد استعيدت عقب نجاح المسيرة الخضراء سنة 1975م، بالإضافة إلى مناطق وادي الذهب والكويرة التي دخلت في حضن الخريطة الترابية للملكة من خلال مبايعة قبائلها الستة عشر (16) للملك الحسن الثاني بالرباط سنة 1979م.
شكل حصول المغرب على استقلاله واستكماله لوحدته الترابية انتقالا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر، المتمثل في تحقيق التنمية الشاملة للبلاد وتحديث المؤسسات والأجهزة الإدارية من أجل تجاوز مظاهر التخلف واللحاق بركب الدول المتقدمة.
المصدر : كتاب الداعم في التاريخ والجغرافيا للأستاذ عبد الخالق الخلطي. كفاح المغرب من أجل الاستقلال واستكمال الوحدة الترابية.
0 تعليقات