قولة فلسفية حول محور العدالة بين المساواة والإنصاف مفهوم الحق والعدالة
" تختلف العدالة عن الانصاف في كون العدالة تحكم حسب منطوق نص القانون، في حين أن الإنصاف يحكم حسب روح القانون"
- ( كوندياك )
- اشرح مضمون القولة وبين أبعادها.
منهجية تحليل قولة فلسفية العدالة بين المساواة والإنصاف عناصر الإجابة
المقدمة (فهم موضوع القولة وتأطيره إشكاليا)
إذا كان الحق يدل على ما يجب أن يتمتع به كل مواطن داخل دولة ما من حريات مدنية وسياسية، فإن العدالة تعمل على إرجاع الحق إلى نصابه وإعطاء كل ذي حق حقه، وعادة ما يتم الخلط بين العدالة وتطبيق القانون، إلا أن القانون عام، وتطبيقه على حالات خاصة غير متوقعة قد يؤدي إلى أخطاء وظلم لأفراد معينين، ويأتي الإنصاف ليصحح الأخطاء القانونية التي يرتكبها الجهاز القضائي ... ولهذا ينبغي التمييز بين العدالة القانونية والإنصاف، وهذا ما تراه أطروحة القولة التي تجيب عن إشكال يمكن تحديد أسئلته الأساسية على النحو التالي
هل يكفي القانون لتحقيق العدالة ؟ وهل تتطابق العدالة القانونية مع الإنصاف ؟ وإلى أي حد تصدق أطروحة القولة التي تؤكد على وجود اختلاف بين العدالة التي تحكم حسب منطوق نص القانون والإنصاف الذي يحكم حسب روح القانون ؟ وإلى أي حد يمكن الفصل بين نص القانون وروحه ؟
العرض (التحليل والمناقشة)
تنطوي القولة على أطروحة تدعي وجود اختلاف بين العدالة والإنصاف على مستوى علاقتهما بالقانون. ونجد للعدالة دلالة خاصة ضمن هذه الأطروحة، تحيل على العدالة القضائية والقانونية التي تحكم حسب منطوق نص القانون، وتتجنب التأويلات التي يمكن أن يترتب عنها ابتعاد الأحكام القضائية عن النصوص القانونية المعتمدة ... وفي مقابل العدالة نجد للإنصاف دلالة متميزة داخل أطروحة القولة، حيث يعني الحكم ليس حسب نص القانون بل حسب روحه، أي اعتماد فلسفة قانونية تفسح المجال للاجتهادات القانونية التي تصحح الأخطاء التي تقع فيها العدالة القضائية عندما تطبق قوانينها العامة على الحالات الخاصة أو الاستثنائية التي تتطلب نوعا من الاجتهاد .....
وإن التقابل الذي تقيمه أطروحة القولة بين العدالة والإنصاف، وبين نص القانون وروحه، قد يضمر حجاجا يتجه بنا نحو إضفاء قيمة أسمى على الإنصاف الذي يصحح أخطاء العدالة القضائية أو القانونية ويحاول جعل القانون في خدمة الحق وفي خدمة الإنسان ....
يتبين لنا من التحليل السابق أن أطروحة القولة تتعارض مع كل نزعة قانونية نصية أو محافظة ترى العدالة في التطبيق الحرفي والصارم للنصوص القانونية، ولا تنفتح على الاجتهاد الذي هو ضروري لإنصاف المواطنين وحماية حقوقهم ....
ونجد في تصور أرسطو عناصر مؤيدة لأطروحة القولة، فالعدل عنده يعني التصرف وفق القوانين وإعطاء لكل ذي حق حقه من غير إفراط ولا تفريط، أما الظلم فهو الإفراط والتفريط والتصرف ضد القوانين... إلا أن أرسطو ينبهنا في هذا السياق إلى الأخطاء التي تقع فيها العدالة القانونية عندما تطبق قوانينها العامة على حالات خاصة ... فيأتي الإنصاف ليكيف قوانين العدالة ويجعلها تتلاءم مع تلك الحالات الخاصة ... وبذلك فأرسطو متفق إلى حد بعيد مع أطروحة القولة على أن الارتقاء بالعدالة إلى درجة الإنصاف يتطلب عند تطبيق القانون مراعاة روحه لا نصه الحرفي، والاجتهاد لملاءمة أحكامه العامة مع الأحوال الخاصة، وملء الثغرات التي تركها المشرع...
وإن التمييز الوارد في القولة بين نص القانون وروحه قد يذكرنا بكتاب "روح القوانين" لمنتسكيو Montesquieu ومما جاء في هذا الكتاب أن المشرع القانوني ليس حرا في عمله. بل يخضع لإكراهات موضوعية يذكر منها منتسكيو ما يلي: المعطيات الجغرافية والاقتصادية للبلد المعني وديانته وعاداته وتقاليده والسلطة الحاكمة فيه .... وهذا ما يفسر الاختلافات القانونية بين البلدان، وإن الأسباب والغايات التي من أجلها توضع القوانين هي ما يصطلح على تسميته منتسكيو ب " روح القوانين" وبهذا المعنى فهو يعطي للمصطلح دلالة خاصة، وإن التداخل بين السلط التشريعية والقضائية والتنفيذية والشطط في استعمالها، قد يؤدي إلى خروقات قانونية وانتهاكات لحقوق المواطنين، ولذلك دعا منتسكيو إلى الفصل بين السلط المذكورة وضمان استقلال القضاء لكي يؤدي مهامه بكيفية عادلة ومنصفة....
(بالإمكان إغناء المناقشة بالانفتاح على مواقف أخرى واردة في محور العدالة كأساس للحق. أو محور العدالة بين المساواة والإنصاف : اسبينوزا - فون هايك -ألان - شيلر - راولس ...)
الخاتمة (التركيب)
إن التحليل النقدي السابق الأطروحة القولة، قد جعلنا ندرك في النهاية أن النصوص القانونية محدودة ومتناهية. بينما حياة المجتمعات لا تتناهى ولا تعرف حدودا، وهذا ما يجعل العدالة القضائية أو القانونية التي تحكم حسب منطوق نص القانون. في حاجة دائمة إلى الإنصاف الذي يحكم حسب روح القانون، ويتفتح على الاجتهادات اللازمة لتصحيح ما قد يشوب العدالة القضائية أو القانونية من أخطاء وانحرافات على مطلب الحق.
0 تعليقات