درس القران الكريم منهاج حياة الثانية باكالوريا
المقدمة
القرآن الكريم هو الكتاب السماوي الخالد الذي أنزله الله تعالى على النبي محمد ﷺ ليكون نورًا وهداية للبشرية. وهو ليس مجرد كتاب للقراءة والتلاوة، بل هو منهاج حياة يُرشد الإنسان في جميع جوانب حياته الفردية والجماعية. فهم القرآن وتطبيقه يعني بناء شخصية متوازنة، قادرة على مواجهة تحديات العصر مع الحفاظ على القيم الإيمانية والأخلاقية.
أولا: دراسة نصوص الانطلاق:
قال الله تعالى: "وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم، ما فرطنا في الكتاب من شيء، ثم إلى ربهم يُحشرون" سورة الأنعام الآية 38.
وقال عز وجل: "الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله، وأولئك هم أولو الألباب" سورة الزمر الآية 17.
توثيق النصوص والتعريف بها
سورة الأنعام: سورة مكية، عدا بعض الآيات المدنية، وتُعنى بتقرير أصول العقيدة والتوحيد.
سورة الزمر: سورة مكية، تناولت موضوعات التوحيد والإخلاص في العبادة، وبيّنت مصير المؤمنين والكافرين.
الشرح السياقي للايات
دابة: كل كائن حي يدبّ ويتحرك على الأرض، والمقصود بها في الآية: جميع المخلوقات التي تسير على وجه الأرض، من غير الإنسان.
ما فرطنا: لم نُقصّر، ولم نُهمل شيئًا. أي أن الله سبحانه وتعالى أحاط علمًا بكل شيء ودوّنه في كتاب (اللوح المحفوظ).
يحشرون: يُجمعون يوم القيامة للحساب.
القول: المقصود به القرآن الكريم، لأنه يتضمن القول الفصل بين الحق والباطل.
هداهم الله: أي وفقهم الله تعالى إلى الطريق المستقيم، وأرشدهم إلى اتباع ما فيه الخير والنجاة.
أولو الألباب: أصحاب العقول الراجحة، الذين يستخدمون عقولهم في فهم الحق وتمييزه عن الباطل، ويتفكرون في آيات الله ودلالاته.
مضامين النصوص
تُبرز الآية الكريمة أن الله سبحانه وتعالى تكفّل برزق جميع مخلوقاته من خيرات الأرض، كما تؤكد على شمولية القرآن الكريم واحتوائه على توجيهات تمسّ مختلف جوانب الحياة الإنسانية.
تدعو الآية إلى الالتزام بتعاليم القرآن الكريم، من خلال الاقتداء بأفضل الخلق وهم الرسل، بغرض التحلي بصفات الأمة المثلى التي وحّدت الله وسارت على نهجه.
المحور الأول: القرآن الكريم كتاب هداية وإرشاد:
أولا: مفهوم القرآن الكريم:
لغة: من "قرأ" بمعنى تلا، لقوله تعالى: "اقرأ باسم ربك الذي خلق"، ومن "قرى" بمعنى جمع وضم، لقوله تعالى: "لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه".
اصطلاحا: كلام الله تعالى المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، بواسطة جبريل عليه السلام، المتعبد بتلاوته، المعجز بسوره، المنقول إلينا بالتواتر، المبدوء بسورة الفاتحة المختوم بسورة الناس.
ثانيًا: من مقاصد نزول القرآن الكريم: الهداية والإرشاد
يُعدّ الهدي والإرشاد من أبرز مقاصد نزول القرآن الكريم، فقد أنزله الله تعالى ليُنقذ البشرية من ظلمات الجهل والكفر، وينير لها طريق العلم والإيمان، مُوجِّهًا إياها نحو الصراط المستقيم.
قال الله تعالى: "إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم".
فالقرآن الكريم يُرشد الإنسان إلى الخير، ويميز له بين الحق والباطل، والحلال والحرام، ويوجه خطواته في شؤون دينه ودنياه وآخرته. وقد ورد في قوله تعالى: "إنا سمعنا قرآنا عجبا، يهدي إلى الرشد فآمنا به، ولن نشرك بربنا أحدا".
المحور الثاني: مظاهر تنظيم القرآن الكريم لحياة المؤمن
يتميز القرآن الكريم بشموليته، إذ يغطي مختلف مجالات الحياة: الدينية، الدنيوية، والأخروية.
يعمل على تنقية عقيدة المؤمن من مظاهر الشرك والخرافات، وترسيخ التوحيد الخالص.
يُوجه المؤمن إلى تقويم عباداته وتصحيحها، بعيدًا عن البدع والانحرافات.
يضع أسسًا لتنظيم المعاملات المالية بما يُبعدها عن الفساد، ويضمن الكسب المشروع الطيب.
يُسهم في تهذيب الأخلاق وتزكية النفوس، لتكون أكثر طهرًا وصفاءً.
يُنظم العلاقات الاجتماعية بين أفراد المجتمع على أساس الأخوة، والتعاون، والتكافل، والتضامن.
يُحذر المؤمن من الانجراف وراء مسالك الانحراف، ويُرشدُه إلى طريق الهداية والاستقامة.
يدعو المؤمن إلى الاقتداء بسنة الرسول ﷺ في أقواله وأفعاله، باعتباره النموذج الأكمل في تطبيق هدي القرآن.
المحور الثالث: شروط تمثل منهج القرآن الكريم في الحياة
الإيمان اليقيني بأن القرآن الكريم هو كلام الله الحق، المنزل لهداية البشرية.
التحلّي بـ الطهارة الظاهرة والباطنة، كما في قوله تعالى: "لا يمسه إلا المطهرون".
تلاوة القرآن وترتيله على الوجه الصحيح، لقوله تعالى: "ورتل القرآن ترتيلا".
التأمل في معانيه ودلالاته، لما فيه من يسر وتيسير للفهم، كما قال تعالى: "ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مذكر".
الإنصات والاستماع بتدبر عند سماعه، كما أمر الله تعالى بقوله: "وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون".
تدبر آياته وتفعيل العقل في فهمها، مع الحذر من الاقتصار على الفهم السطحي، قال تعالى: "أفلا يتدبرون القرآن".
الالتزام بأوامره والعمل بأحكامه، كما وصف الله عباده المهتدين: "الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله، وأولئك هم أولو الألباب".
تعليمه وتعلمه، لما فيه من خير وبركة، فقد قال النبي ﷺ: "خيركم من تعلم القرآن وعلمه".
نشره وتبليغه للناس، والدعوة إلى هديه، اقتداءً بقول النبي ﷺ: "بلغوا عني ولو آية".
الخاتمة
القرآن الكريم هو المنهج الأكمل للحياة، وهو ليس حكرًا على جانب روحي فقط، بل يشمل كل مجالات الحياة. على الناس أن يجعلوه مرجعيتهم الأولى في التفكير والعمل، ليكونوا جيلًا واعيًا، متزنًا، قادرًا على تحقيق النجاح في الدنيا والآخرة. ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ (الأنعام: 162).ذ
إرسال تعليق