مجزوءة الاخلاق المحور الثاني الوعي الاخلاقي الثانية باك
مقدمة
عادة ما يعرف الوعي الأخلاقي بقدرة الذات على إصدار أحكام معيارية على أفعالها وأفعال غيرها، وهو الذي يمكنها من التمييز بين الخير والشر، والفضيلة والرذيلة، والمباح والممنوع.
لكن ما أصل هذا الوعي ؟ هل الوعي الاخلاقي فطري؟ أم أنه ثقافي يكتسبه الإنسان من المجتمع ؟
مواقف واراء الفلاسفة الوعي الاخلاقي
اشكالية المحور
كيف يتشكل الوعي الأخلاقي بالواجب؟ وما هو مصدره؟ هل هو فطري في الانسان أم مكتسب؟
موقف جان جاك روسو (1712 - 1778)
الوعي بالواجب فطري وغريزي.
يرى الفيلسوف « جون جاك روسو » أن الوعي بالواجب مسألة فطرية غريزية في الإنسان، يحثنا على فعل الخير، فهو لا يعبر عن إرادة للفعل، وإنما خاصية تميزنا عن الكائنات الأخرى، تمكننا من تقدير الأشياء والأفعال، وتقودنا إلى التمييز بين الخير والشر، وتولد فينا أحاسيس فطرية كحب الذات، والخوف من الألم، والرغبة في العيش السعيد. ويتكون الوعي أيضا بعلاقة مع الأشياء من خلال التنشئة الاجتماعية، التي بدورها ترسخ القيم وتشكل هذا الوعي.
موقف نيتشه (1844 - 1900)
الوعي بالواجب نتاج تاريخي لإرادة القوة.
يعترض « فريديريك نيتشه » على موقف روسو ويرفض أن يكون الوعي بالواجب أمرا فطريا. فالواجب في نظره هو نتاج تاريخي نشأ من علاقة المديونية بين الدائن والمدين. الدائن فرض على المدين شروطا قاسية للسداد، ومع العجز كان يحق له معاقبته بالعنف أو الاستعباد أو القتل. من هنا تشكّل الواجب كإكراه تاريخي لا كاختيار أخلاقي حر. أصل الواجب، في نظر نيتشه، هو إرادة القوة لدى الأقوياء الذين صنعوا القيم الأخلاقية والقوانين لإخضاع الضعفاء، وليس إرادة الخير أو الفضيلة.
موقف إريك فايل (1904-1977)
العقل هو أساس الوعي الأخلاقي.
يعتبر إريك فايل أن العقل هو أساس الوعي الأخلاقي فمتى انحاز الإنسان إلى العقل يكون بذلك، قد أسس للواجب الأخلاقي، فاتخاذ موقف أو الميل إلى رأي أو تبني فكرة وفق مبدا عقلي، هو في جوهره فعل أخلاقي. فالإنسان مدعو إلى تغليب جوانبه العقلية على نزوعاته وأهوائه الغريزية وكذا إعطاء الأولوية للمصلحة العامة والكونية على حساب المصلحة الخاصة حتى يكون فعله فعلا أخلاقيا. فعلاقة العقل بالوعي الأخلاقي علاقة وجود وتضمن.
موقف فريدريش هيغل (1770 - 1831)
الوعي الأخلاقي وعي ذاتي بالواجب لا إلزام خارجي.
فانه يعتبر الوعي الأخلاقي هو الربط بين الواجب والمبادئ الأخلاقية. وفي هذا الإطار يميز هيجل بين الواجب بمعناه القانوني والواجب بمعناه الأخلاقي فإذا كان النوع الأول من الواجب يعتبر نموذجيا ، فان النوع الثاني يفتقر إلى الطابع النموذجي ، وذلك لقيامه على الإرادة الذاتية. لكن، سرعان ما سيعكس هيجل هذا الحكم ، عندما سيعتبر الواجب القانوني واجبا يفتقر إلى الاستعداد الفكري، على عكس الواجب الأخلاقي الذي يستدعي ذلك الاستعداد ، ويقتضي أن يكون مطابقا للحق في ذاته. وعلى هذا النحو يصبح للواجب الأخلاقي قيمة باعتباره وعيا ذاتيا وليس الزاما خارجيا.
موقف سيجموند فرويد (1856 - 1939)
الوعي الأخلاقي نتاج اجتماعي تشكله الأنا الأعلى.
ليس الوعي الأخلاقي كيانا فطريا داخليا ومستقلا، بل هو جزء لا يتجزأ من محددات البنية النفسية والاجتماعية للفرد، ويشكل بالضبط إحدى وظائف جهاز الأنا الأعلى المتمثلة في «مراقبة أفعال ومقاصد الأنا والحُكم عليها» انطلاقا من مجموع القواعد التربوية والأخلاقية التي رسختها قيم الجماعة في ضمير الفرد (دين، أخلاق، أعراف، قوانين....)، إذ الضمير الأخلاقي لا يتشكل إلا بعد تشكل الأنا الأعلى نتيجة احتكاك الأنا مع المجتمع ، يقول سيغموند فرويد : «إن الإحساس بالذنب، وقساوة الأنا الأعلى، وصرامة الضمير الأخلاقي، كلّها شيء واحد. إن الإحساس بالذنب هو تعبير عن إدراك الأنا لكونه خاضعا للمراقبة من طرف الأنا الأعلى»، فالواجب تجسيد لقيم الجماعة في سلوك الفرد وليس غريزيا.
أمثلة من الواقع لمواقف الفلاسفة لمحور الوعي الأخلاقي الثانية باك
مثال لموقف جان جاك روسو
المثال الأول
عندما يشاهد طفل صغير شخصا يتألم، فيبادر تلقائيا إلى مساعدته أو إظهار الحزن دون أن يكون قد تلقى تربية أخلاقية منظمة، فإن هذا السلوك يدل على وجود إحساس فطري بالخير والشر. هذا المثال يوضح أن الوعي الأخلاقي سابق على التعلم الاجتماعي، ويؤكد موقف روسو القائل بأن الشعور بالواجب ينبع من طبيعة الإنسان نفسها.
المثال الثاني
قد يعثر شخص على محفظة مملوءة بالمال في مكان خالٍ من المراقبة، فيشعر بتردد داخلي ثم يقرر إرجاعها إلى صاحبها دون خوف من العقاب أو انتظار مكافأة. هذا القرار لا يصدر عن قانون خارجي، بل عن صوت داخلي يميّز بين الصواب والخطأ، وهو ما يعبر عنه روسو بالضمير الفطري.
أمثلة لموقف فريدريك نيتشه
المثال الأول
في المجتمعات التي تُفرض فيها قوانين صارمة تخدم فئة معينة، يلتزم الأفراد بهذه القوانين بدافع الخوف من العقاب لا بدافع الاقتناع الأخلاقي. فالضعفاء يطيعون لأنهم مجبرون، لا لأنهم يرون في الطاعة خيرًا. هذا ينسجم مع تصور نيتشه للواجب بوصفه إكراهًا تاريخيًا فرضه الأقوياء لحماية مصالحهم.
المثال الثاني
يطلب من العامل قبول شروط عمل قاسية بحجة «الواجب المهني»، رغم أنها تضر بصحته وكرامته. هنا يتحول الواجب إلى أداة للسيطرة، ويصبح الخطاب الأخلاقي وسيلة لتبرير الهيمنة. هذا المثال يجسد فكرة نيتشه القائلة إن القيم الأخلاقية ليست بريئة، بل تعبير عن إرادة القوة.
أمثلة لموقف إريك فايل
المثال الأول
قد يرفض تلميذ الغش في الامتحان رغم توفر الفرصة، ليس خوفا من العقاب، بل اقتناعا بأن الغش يضر بمبدأ العدالة وتكافؤ الفرص. هذا السلوك نابع من حكم عقلي، لا من انفعال أو عادة، ويعكس موقف إريك فايل الذي يجعل العقل أساس الفعل الأخلاقي.
المثال الثاني
عندما يضحي شخص بمصلحته الخاصة من أجل مصلحة جماعية، كاحترام قانون يحدّ من حريته الشخصية حفاظا على سلامة الجميع، فإنه يكون قد انحاز إلى العقل الكوني على حساب الرغبة الفردية. وهذا يوضح أن الفعل الأخلاقي، عند فايل، هو فعل عقلاني بالدرجة الأولى.
أمثلة لموقف فريدريش هيغل
المثال الأول
قد يلتزم شخص بقانون المرور حتى في غياب الشرطة، لأنه يعتبر احترام القانون تعبيرا عن احترامه لذاته ولمبدأ النظام، لا خوفا من العقوبة. هذا الالتزام نابع من قناعة داخلية، ويجسد تصور هيغل للواجب الأخلاقي بوصفه وعيا ذاتيا لا إكراها خارجيا.
المثال الثاني
شخص يؤدي عمله بإتقان رغم غياب الرقابة، لأنه يرى في ذلك تحقيقا لذاته واحتراما لمبادئه، وليس مجرد تنفيذ لأوامر مفروضة. هذا السلوك يعكس الفرق الذي يقيمه هيغل بين الواجب القانوني والواجب الأخلاقي القائم على الإرادة الحرة.
أمثلة لموقف سيغموند فرويد
المثال الأول
يشعر شخص بالذنب بعد ارتكاب فعل لم يره أحد، مثل الكذب أو السرقة، رغم عدم وجود عقوبة فعلية. هذا الإحساس بالذنب ناتج عن استبطان القيم الاجتماعية في الضمير، أي عن عمل الأنا الأعلى، كما يفسر ذلك فرويد.
المثال الثاني
قد يمتنع فرد عن سلوك معين لأنه «تربّى» على اعتباره خطأ، حتى لو لم يكن مقتنعا به عقلانيا. هذا الامتناع يعكس سلطة القيم والأعراف الاجتماعية المتجسدة في الأنا الأعلى، ويؤكد أن الواجب ليس فطريًا بل مكتسب اجتماعيا.
مصطلحات ومفاهيم محور الوعي الاخلاقي مفهوم الواجب
الوعي : حالة إدراك الذات لذاتها وللعالم من حولها، وقدرتها على التمييز والفهم والحكم على الأفكار والأفعال والمعاني.
الواجب : إلزام أخلاقي أو عقلي يدفع الذات إلى القيام بفعل معين باعتباره ضروريا أو صحيحا، سواء كان نابعا من الإرادة الذاتية أو مفروضًا من المجتمع أو القانون.
الأخلاق : نسق من القيم والمعايير التي تنظم أفعال الإنسان داخل المجتمع، وتحدد ما يُعد خيرا أو شرا، محمودا أو مذموما.
الإرادة : قدرة الذات على الاختيار واتخاذ القرار وتنفيذ الفعل عن قصد، مع تحمل المسؤولية الأخلاقية المترتبة عن ذلك الفعل.
العقل : ملكة التفكير والحكم والاستدلال، التي تمكن الإنسان من إدراك المبادئ العامة والقيم الكونية، وتوجيه السلوك وفق معايير عقلية لا غريزية.
الذات : الكائن الواعي بذاته، القادر على التفكير والحكم وتحمل المسؤولية، ويشكل مركز الفعل الأخلاقي.
الإلزام : قوة خارجية أو داخلية تفرض على الفرد القيام بفعل معين دون أن يكون ذلك نابعا بالضرورة من قناعته الحرة.
الالتزام : اختيار ذاتي واعٍ لاحترام قاعدة أو مبدأ أخلاقي، انطلاقا من قناعة داخلية لا من إكراه خارجي.
الأنا : مفهوم نفسي–فلسفي يدل على الذات الواعية التي تتوسط بين الرغبات الغريزية ومتطلبات الواقع والقيم الاجتماعية.
تعريف الوعي الاخلاقي في الفلسفة
الوعي الأخلاقي : قدرة الذات العاقلة على الحكم المعياري على الأفعال، أي التمييز بين الخير والشر، والصواب والخطأ، انطلاقا من قيم أو مبادئ أخلاقية داخلية أو مكتسبة.
تركيب لمحور الوعي الاخلاقي
اذا كان روسو يرى ان الانسان خير بطبعه وهو قادر على التمييز بين الخير والشر، فان فرويد يعارضه الرأي ويقر بأن الوعي الأخلاقي مكتسب عن طريق التنشئة الاجتماعية فالطبيعة الإنسانية لا تعرف معنى الخير او الشر وكل قيمنا وليدة المجتمع الذي يعمل على نقلها لنا بكل الوسائل.


إرسال تعليق