نص وظائف التربية الحديثة الثانية باك
كتاب الرائد في اللغة العربية الصفحة 50 - 51
إنَّنا نَعْتَقِدُ بأنَّ الإشكاليَّةَ التاريخيَّةَ لقَضايا النَّهْضةِ والحداثةِ تَتَمَثَّلُ اليومَ في إمكانِ بناءِ وعيٍ جماهيريٍّ يَخترقُ صفوفَ النُّخَبِ الفكريَّةِ والسياسيَّةِ والاجتماعيَّةِ، ليتحوَّلَ إلى طاقةٍ جماهيريَّةٍ عامَّة، أي إلى قوَّةٍ حقيقيَّةٍ فاعلةٍ. ونَعْتَقِدُ في هذا السِّياقِ أيضاً أنَّ جانباً من إخفاقِ الفكرِ التنويريِّ والمشاريعِ النَّهضويَّةِ يعودُ إلى أنَّ هذا الفكرَ النَّهضويَّ لم يَستطعْ أنْ يتحوَّلَ إلى حقيقةٍ تربويَّةٍ، ولم يَجدْ طريقَه إلى عقلِ الشرائحِ الاجتماعيَّةِ الواسعةِ ووِجدانِها التي يُمكنُها وحدَها أنْ تُحوِّلَ هذه المشاريعَ إلى واقعٍ حقيقيٍّ يَنبضُ بالحياة.
وتأسيساً على ما سَبقَ، نقولُ إنَّ الفعلَ الحضاريَّ يُحبُّ أن يكونَ تربويّاً بالدرجةِ الأولى، لأنَّ التربيةَ، بوصفِها صيرورةً إنسانيَّةً مُشكِّلةً للوعي، يُمكنُها أن تُعيدَ بناءَ الوعي على صورتِه الخلّاقة. ومن هنا، يَجبُ علينا أنْ نُوليَ التربيةَ في المشاريعِ النَّهضويَّةِ والحداثيَّةِ اهتماماً خاصاً، وأنْ نُعيدَ النظرَ في تصوّراتِنا ومشاريعِنا بما يَنسجمُ مع هذا التَّصوُّرِ الذي يُؤكِّدُ أهميَّةَ التربيةِ في بناءِ الوعيِ الجماهيري، وفي تشكيلِ العقليَّةِ الشعبيَّةِ وتنويرِها بما ينسجمُ مع التحدّياتِ التاريخيَّةِ التي تَقرعُ وجودَنا وتُهدِّدُ مصيرَنا.
إنَّ مرحلتَنا تَتطلَّبُ بناءَ العقلِ العلميِّ عند الناشئةِ والخروجَ من دائرةِ التقليدِ، ويتضمَّنُ هذا التوجّهُ العملَ على تحريرِ العقلِ من أمراضِ الاستظهارِ والحفظِ والتلقينِ، ومن ثمَّ بناءَ الأسسِ المنهجيَّةِ للتفكيرِ الحرِّ الذي يَعتبرُ الاختلافَ مبدأَ الوجودِ، والتطابقَ استثناءً مستحيلاً. وهذه القاعدةُ يَجبُ أن تُؤخذَ مُنطلقاً في بناءِ منطقِ الأجيالِ لقبولِ مبدأ الاختلافِ ورفضِ التماثلِ والتطابقِ. وهذا المبدأُ هو جوهرُ العقلِ الحرِّ الذي يَبحثُ عن الاختلافِ ويَراهُ ناموساً كونياً لا مُتناهياً، وهذا بدورِه يجعلُ العقلَ أكثرَ قدرةً على الحركةِ، وأكثرَ ميلاً إلى الإبداعِ، لأنَّ الإيمانَ بمبدأ الاختلافِ يُجدِّدُ هدماً لكلِّ الحواجزِ التي تمنعُ العقلَ من الانطلاقِ والإبداعِ. وفي هذا المبدأِ تتحقّقُ في النهايةِ منطلقاتُ قبولِ الآخرِ، ومبدأَ الاختلافِ، وقبولِ الأفكارِ المضادّةِ دونَ تعصّبٍ أو صدودٍ أو انكفاء.
تقديم
يتناول النص موضوعًا محوريًا يتعلق بدور التربية في تحقيق النهضة. الكاتب يؤكد أن أي مشروع يرمي إلى التقدم والتطور لا يمكن أن ينجح ما لم يُبنَ على أساس تربوي متين، لأن التربية تصوغ العقل، وتبني الوعي، وتشكل الإنسان القادر على الفعل والتغيير. كما يوضح أن التربية الحديثة تختلف جذريًا عن التربية التقليدية لأنها تقوم على الانفتاح، والعقلانية، والحوار، وتحرير الفكر من الجمود.
توثيق النص
صاحب النص: علي أسعد وطفة باحث وأكاديمي سوري من مواليد دمشق سنة 1955، يشغل منصب أستاذ علم الاجتماع التربوي في جامعة الكويت. حاصل على الدكتوراه من جامعة كان في فرنسا، وله مؤلفات ودراسات بارزة في قضايا التربية والفكر النهضوي العربي.
من أبرز مؤلفات علي أسعد وطفة في مجال التربية والفكر التنويري:
«التربية والتنوير في تنمية المجتمع العربي» - «أزمة التربية في الوطن العربي» - «التربية والعولمة» - «التربية والمجتمع» - «التربية والحداثة» - «التعليم في الوطن العربي: الواقع والمستقبل»
مصدر النص: التربية والتنوير في تنمية المجتمع العربي، مؤلف جماعي، مركز دراسات الوحدة العربية، سلسلة كتب المستقبل العربي (39)، ص 65 وما بعدها (بتصرف).
نوع النص: مقالة فكرية ذات طابع حجاجي.
ملاحظة النص
ملاحظة العنوان
العنوان جاء جملة اسمية مكون من ثلاث كلمات: “وظائف” و”التربية” و”الحديثة” من خبر لمبتدأ محذوف وباضافة التربية ، والحديثة مضاف اليه.
يربط بين الفعل التربوي (التربية) وبين أدواره أو مهامه (الوظائف)، ويحدد الزمن والمجال (الحديثة)، مما يوحي بتحول في مفهوم التربية ودورها في الواقع المعاصر.
دلالة العنوان
العنوان يشير إلى أن الكاتب سيتناول الوظائف الجديدة للتربية في زمن التغيرات الكبرى، وأن هذه الوظائف ترتبط ببناء الإنسان الواعي القادر على المشاركة في النهضة.
فرضية النص
من خلال العنوان وبداية النص، يمكن افتراض أن الكاتب سيدافع عن فكرة محورية: لا يمكن لأي نهضة أن تتحقق ما لم ترتكز على تربية حديثة تنمي العقل والوعي الجماعي.
فهم النص
الفكرة العامة
التربية الحديثة هي القوة الأساسية القادرة على صناعة النهضة من خلال تكوين العقل، بناء الوعي، وتحويل الأفكار إلى طاقة مجتمعية فاعلة.
الأفكار الأساسية (مفصلة)
- التربية منطلق كل نهضة لأنها تصنع الإنسان وتعيد تشكيل وعيه وتبني قدرته على الفعل والتغيير.
- فشل المشاريع النهضوية السابقة بسبب غياب البرامج التربوية القادرة على الوصول إلى الجماهير.
- أي مشروع حضاري حقيقي يجب أن يقوم على التربية كقاعدة لبناء الوعي الجماعي وتوجيه المجتمع نحو التغيير.
- الدعوة إلى تربية حديثة تقوم على الإبداع والحوار والديمقراطية والانفتاح على التكنولوجيا.
- رفض التربية التقليدية القائمة على التلقين والحفظ والانغلاق لأنها تعيق التفكير النقدي والإبداع.
- التربية الحديثة تحرر المتعلم من التبعية الفكرية وتنمي العقل العلمي الحر.
- مبدأ الاختلاف قيمة أساسية للتربية الحديثة لأنه يفتح المجال للإبداع ويعزز قبول الآخر.
تحليل النص وظائف التربية الحديثة
الحقول الدلالية
الحقل التربوي: التربية – التعليم – الوعي – العقل – التكوين – المعرفة – الحوار – النقد – الإبداع – الانفتاح – الاستمرارية
الحقل النهضوي: النهضة – التغيير – التنمية – المشروع الحضاري – القوة الفاعلة – الثورة المعرفية – رأس المال البشري
الحقل السياسي: الفكر التنويري – النخبة الفكرية والسياسية – المشاركة الجماهيرية – السلطة – القيم الديمقراطية
العلاقة بين الحقول الدلالية
الحقل التربوي هو المحرك والأساس، فهو الوسيلة التي تُنشئ العقل والوعي القادر على التغيير. الحقل النهضوي يمثل الغاية والهدف، أي التقدم والتنمية المجتمعية. أما الحقل السياسي فيعمل كإطار تنظيمي وفكري يوجه عملية التغيير، ويستفيد من التربية لتوسيع المشاركة الجماهيرية وإرساء قيم ديمقراطية. بالتالي تتكامل الحقول الثلاثة: التربية تهيئ الإنسان، النهضة تحقق التغيير المجتمعي، والسياسة توفر الإطار الذي يحمي ويستثمر هذا التغيير.
لغة النص
لغة النص فكرية، تحليلية، دقيقة، يغلب عليها الطابع المفاهيمي. الكاتب لا يكتفي بالوصف، بل يشرح، ويحلل، ويبرر، ويقترح بدائل، مما يجعل الخطاب عقلانيا واضحا.
أنواع الضمائر
ضمير المتكلم الجمع (نحن / نا): لإشراك القارئ في المسؤولية التاريخية المشتركة.
ضمير الغائب (هي / هم): للإشارة إلى المفاهيم أو الجهات الفكرية والمجتمعية.
هذا التنويع في الضمائر يعزز الطابع التواصلي والخطابي للنص.
الأسلوب الخطابي
الكاتب يعتمد على أسلوب حجاجي عقلاني. يقدم فكرة، يعللها، يدعمها بحجج واقعية وتاريخية، ويقارن بين النموذج التقليدي والحديث. لا يستخدم العاطفة، بل المنطق.
الربط بين الفقرات
أدوات الربط المستعملة: لأن – إن – هذا يعني – ومن هنا – في هذا السياق – في النهاية.
هذه الأدوات تجعل النص مترابطا ومتسلسلا منطقيا.
أنواع الجمل والأسلوب
الجمل الخبرية التحليلية هي الطاغية، لأن الهدف من النص هو التفسير والإقناع.
وجود بعض الجمل الإنشائية ذات طابع دعوي (يجب علينا – من الضروري أن...) لتعزيز الطابع الإلزامي للموقف الفكري.
الخطة الحجاجية
المقدمة: عرض أهمية التربية في بناء أي مشروع حضاري.
التحليل: تشخيص أسباب فشل المشاريع النهضوية السابقة بسبب غياب البعد التربوي.
البديل: اقتراح تربية حديثة عقلانية منفتحة.
الخاتمة: تأكيد أن قبول الاختلاف وتحرير الفكر هو أساس بناء نهضة حقيقية.
التركيب
يخلص الكاتب إلى أن التربية ليست مجرد عملية تعليمية تقنية، بل هي عملية حضارية شاملة تصنع الإنسان وتعيد تشكيل وعيه. كل مشروع نهضوي لا ينطلق من التربية مصيره الفشل، لأنها وحدها القادرة على خلق عقل نقدي حر منفتح على العالم. لذلك، يدعو إلى تربية جديدة تقطع مع التلقين والانغلاق، وتنفتح على الحوار، التكنولوجيا، القيم الديمقراطية، والعقلانية. هذه التربية هي التي تنتج المواطن الواعي القادر على الإبداع، وتحويل الأفكار إلى قوة مجتمعية حقيقية.
إرسال تعليق