منهجية تحليل نص فلسفي مجزوءة الوضع البشري الشخص بوصفه قيمة
الامتحان الوطني 2020 الشعب العلمية الدورة العادية الثانية باك
تحليل ومناقشة نص الشخص بوصفه قيمة مجزوءة الوضع البشري
" إن معرفة الخير هي أساس كرامة الإنسان. و الشخص الإنساني وحده يملك، في هذه الدنيا، كرامة ذات قيمة مطلقة. و ما عدا كرامة الشخص هذه تظل كل القيم نسبية يتحدد ثمنها تبعا لغيرها من القيم.
و لنضرب مثالا على ذلك: لم نعطي قيمة لغذاء معين؟ والجواب أنه يحفظ حياتنا. ولم نعطي قيمة للحياة؟ لأنها شرط التفكير، فنحن لا نحرص على الحياة لذاتها، بل لخير أسمى منها هو الفكر. و الفكر بدَوره ليست له إلا قيمة نسبية، فماذا عساه يكون في غياب الحرية التي هي خير مطلوب لذاته ؟
اختصارا، نقول إن كل القيم نسبية عدا قيمة الشخص الإنساني الذي هو غاية في ذاته. و لهذا كان الشخص واجب الاحترام. و تزداد قيمة الشخص هذه أو تنقص تبعا لمدى مراعاة القانون الأخلاقي؛ فكلما كان سلوكنا حسنا و بَذلنا جهدا في كبح جماح مشاعرنا و أحاسيسنا و في طاعة العقل، ازداد شعورنا بارتفاع قيمتنا و بعلو مرتبتنا بين سائر الكائنات. "
تصحيح امتحان وطني مادة الفلسفة سنة 2020 الثانية باك
مطلب الفهم
يشير الوضع البشري إلى مجموعة الشروط والمحددات التي تشكل الوجود الإنساني ومصيره وتدرس الفلسفة هذا المجال من خلال عدة مواضيع ومفاهيم رئيسية، أهمها: الشخص، وهذا الأخير هو موضوع النص الذي بين أيدينا قيد التحليل، إذ يعالج قضية أساسية تتعلق بالشخص بوصفه قيمة أي البحث عن مصدر قيمة الشخص. وتعد هذه القضية من بين أهم القضايا التي تناولها الفلاسفة بالدراسة والبحث.
ومن هذا الفهم تنبثق المفارقة التالية: فحينئذ يكون الشخص بقيمة سامية في الوجود، تمنحه إياها طبيعته الإنسانية والأخلاقية، وما يحوز من خصائص ومقومات جوهرية، عقلية ووجدانية (عقل، وعي، إرادة، حرية، كرامة...). الخ، والذي يُكسبه وعياً أخلاقياً باعتباره ذاتا وليس موضوعاً. وبما أن الشخص أيضا كائناً اجتماعياً، فهو لا يستمد قيمته من ذاته الفردية المنعزلة فقط، بل يستمدها أيضاً من علاقته بالمجتمع الذي يوجد فيه وانخراطه فيه، هذا الاختلاف يجعلنا أمام مجموعة من التساؤلات التالية:
ما الشخص؟ وما القيمة؟ وما المقصود بالكرامة؟ وما طبيعة قيمته؟ ومن أين يستمدها؟ وهل يستمد الشخص قيمته من ذاته الأخلاقية المنعزلة، أم من مجال التعايش المشترك والمجتمع الذي يوجد فيه؟ وهل قيمة الشخص مطلقة أم نسبية ومشروطة؟
مطلب التحليل
كجواب على هذه التساؤلات الفلسفية، يذهب صاحب النص إلى تأكيد أطروحته الأساسية، التي مفادها أن يمتلك الشخص قيمة مطلقة يستمدها من ذاته الأخلاقية وعقله العملي وكرامته، فهو ذات وليس موضوع، وغاية في ذاته وليس وسيلة. هذا ما يفرض النظر إلى الشخص كذات واعية التقدير والاحترام والتعامل معه بنظرة أخلاقية تراعي جانبه الإنساني وكرامته كقيمة مطلقة. فإذا اعتبرنا الإنسان ذاتا لعقل أخلاقي عملي، سنجده يتجاوز كل سعر، وتقديره باعتباره غاية في ذاته، مادام يمتلك كرامة الشخص، الذي يرغم كل الكائنات الأخرى على احترامه، ويتبادل معها الاحترام ذاته على أساس المساواة، ولا ينبغي للشخص أن يبحث عن غايته بطريقة منقطعة، ولا ينبغي عليه أن يتخلى عن كرامته، بل يجب عليه أن يحافظ على الخاصية السامية لتكوينه الأخلاقي.
وقد استثمر صاحب النص مجموعة من المفاهيم الفلسفية والتي تتمثل في مفهوم الشخص وهو كائن بشري عاقل مفكر وواع ، يميز بين الخير والشر والصدق والكذب، ويتحمل مسؤولية أفعاله واختياراته قانونياً وأخلاقياً، بالإضافة إلى مفهوم القيمة وهي مجموعة من المميزات والخصائص الموجودة في الشخص ويُعترف بها من طرف الآخرين، أما الكرامة فهي جوهر الذات وميزات والأخلاقية ومصدر شعورها بكونها ذات متساوية تستوجب التقدير والاحترام بوصفها غاية في ذاتها وليس وسيلة. ويمكن القول أن العلاقة بين المفاهيم علاقة اتصال وترابط، بحيث لا يمكن فهم أحدها بمعزل عن الآخر، فالشخص هو حامل القيمة، والقيمة تمنح للشخص اعتباره، والكرامة تؤكد أن هذا الاعتبار يجب أن يكون مطلقاً وغير قابل للانتهاك.
لقد دافع صاحب النص عن أطروحته من خلال تقديم مجموعة من الحجج المتنوعة، حيث اعتمد أولاً المقارنة بين الأشياء التي نمنحها قيمة نفعية مثل الغذاء والأشياء المادية، وبين الشخص الذي لا ينبغي أن تُمنح له قيمة نفعية لأنه غاية في ذاته وليس وسيلة، ومن ثمة أوضح أن كرامة الإنسان لا يمكن قياسها بمنطق المنفعة. ثم دعم موقفه بـ المثال عندما تساءل: "لم نعط قيمة معينة لغذاء معين؟ ولم لا نعطي قيمة للحياة؟" ليبين أن الأشياء تقاس بقيمتها النفعية بينما الشخص يمتلك قيمة وكرامة مطلقتين لا تقبلان التشبيه أو الاستبدال. وبعد ذلك قدم الدحض للاتجاه الذي يعتبر القيم نسبية، مؤكداً أن قيمة الشخص الإنساني ليست نسبية ولا متغيرة، لأنها تنبع من ذاته العاقلة الأخلاقية التي تستوجب الاحترام والاعتراف. وفي الأخير ختم حججه بـ الاستنتاج حيث خلص إلى أن قيمة الشخص وكرامته ترتفع كلما سلك سلوكاً أخلاقياً راقياً، وكلما التزم في واقعه العملي بمراعاة القانون الأخلاقي واحترام الآخرين، مما يجعل الإنسان يسمو في مشاعره ووعيه ويعلو قدره بين باقي الكائنات.
إذن، فما قيمة وحدود هذه الأطروحة؟ وهل يجد موقف صاحب النص أساسا متينا يستند إليه من خلال تصورات فلسفية أخرى؟
مطلب المناقشة
تتجلى قيمة وأهمية الأطروحة التي تبناها صاحب النص في قيمة فلسفية وفكرية ، واخلاقية لكونها أكدت على الشخص هو الكائن الوحيد الذي يتميز بالعقل الأخلاقي، هذا الأخير هو ما يستوجب أن يعامل كل شخص غيره على أنه غاية في ذاته وليس مجرد وسيلة لقضاء حاجاته. وكونه غاية في ذاته، فهو يستحق قيمة مطلقة وغير مشروطة، على خلاف باقي الأشياء التي تستمد قيمتها من غيرها، وهي قيمة مشروطة بما تحققه من منافع ومدى صلاحيتها. وهذا ما أكد عليه الفيلسوف كانط الذي يعتبر الشخص باعتباره كائن عاقل وأخلاقي، يحتل مكانة سامية ومرتبة عليا في الوجود. وعلى خلاف مواضيع الطبيعة التي لا تملك إلا قيمة نسبية مشروطة بالمنفعة، يمتلك الشخص قيمة مطلقة يستمدها من ذاته الأخلاقية وعقله العملي وكرامته، فهو ذات وليس موضوع، وغاية في ذاته وليس وسيلة. هذا ما يفرض النظر إلى الشخص كذات واجبة التقدير والاحترام والتعامل معه بنظرة أخلاقية تراعي جانبه الانساني وكرامته كقيمة مطلقة. يقول "كانط" " تصرف على نحو تعامل معه الانسانية في شخصك، كما في شخص غيرك، دائما وأبدا، كغاية وليس مجرد وسيلة». لكن هذا التصور لا يعني الإجابة الوحيدة والشاملة لموضوع النص، بل يعتبر مجرد زاوية نظر من زوايا النظر الفلسفي، مما يجعل الوقوف على حدود هذه الأطروحة، الواقع يكشف كيف أن الشخص قدّم النظر إليه بوصفه وسيلة أو شيئاً يباع ويشترى، وهو ما يتعارض مع القيمة الأخلاقية للشخص. كما أن الشخص كائن اجتماعي يعيش مع الجماعة وينفتح عليهم في أشكال التضامن والتعاون. قيمة الشخص لا تكمن في الاستقلالية عن الآخرين والاكتفاء بالذات، وإنما قيمة الشخص تكمن في التحرر من الوهم الفردي والاتجاه نحو الآخر.
وفي نفس السياق نستحضر الفيلسوف كوسيدورف الذي سعى إلى ربط هذه القيمة بالواقع، حيث يرى أن قيمته لا تتحدد في مجال الوجود الفردي المنغلق على الذات والمعزول عن المجتمع، بل يستمدها من أشكال التضامن الإنساني والمشاركة الاجتماعية والانفتاح على الغير، ولذلك فإن الأخلاق الملموسة هي التي تجعل الشخص يخرج من ذاته اتجاه العالم والآخرين، يشترك معهم ويتضامن، ومنه فقيمته لا تتحدد إلا بالانفتاح على الآخرين والمشاركة معهم، حيث يرى أن الحياة منح وعطاء بقدر ما هي أخذ، وهكذا فقيمة الشخص تنبع من خارج الذات، ومشروطة بالمشاركة مع الآخرين في إطار الحياة الاجتماعية كمجال للتعبير عن الأخلاق الفعلية للشخص.
مطلب التركيب
ختاماً نستنتج من خلال التحليل والمناقشة أن إشكالية الشخص بوصفه قيمة هي إشكالية عميقة ومعقدة، لأنها تطرح صعوبة تحديد الأساس الحقيقي لقيمة الإنسان: هل تكمن في كونه ذاتاً عاقلة وأخلاقية تمتلك كرامة مطلقة؟ أم في كونه كائناً اجتماعياً يحقق قيمته من خلال أدواره ومشاركته داخل المجتمع؟ وبين هذين الطرحين يمكن القول إن الشخص يتجاوز كل المقاييس النفعية والمادية، لأنه يحمل وعياً وكرامة تجعل منه قيمة في ذاته لا تقبل الاستبدال أو الإهانة أو الاستغلال.
أما رأي الشخصي، فأرى أن قيمة الإنسان لا يمكن اختزالها في بعد واحد، بل تتجلى في تكامل البعد الأخلاقي مع البعد الاجتماعي. فالشخص يستحق الاحترام لكونه كائناً عاقلاً وواعياً، لكنه في الآن ذاته يبرهن على قيمته داخل المجتمع من خلال سلوكه الأخلاقي ومساهمته في الارتقاء بالحياة المشتركة. لذلك يجب أن تعامل الإنسان دائماً باعتباره غاية لا وسيلة، وأن نحافظ على كرامته ونمنحه الاعتراف الذي يليق بإنسانيته، لأن تقدم المجتمعات يقاس بدرجة احترامها لقيمة الإنسان قبل أي شيء آخر.


إرسال تعليق